الأخبار الدولية| كيف أضرت إنتهازية إبراهيم عيسى بقضية العلمانيةوحرية الرأي
العلمانية ببساطة قد يمارسها الجار المصري المسلم البسيط دون قصد وهو يهنئ جاره المسيحي بعيده ولايوبخه او يشكك في عقيدته او صليبه او حتى يناقشه فيها.
أو وهو يتحدث بكل ذوق مع مدرسة اولاده المسلمة وهي غير محجبة دون ان يسألها لم لا تغطين رأسك مثل زوجتي أو بناتي؟
أو حين يرى زميله في العمل يفطر في رمضان او لايذهب معه للصلاة في موعدها دون ان يسأله السبب او يشكك في عقيدته وإيمانه!
لسان حال هؤلاء: لكم دينكم ولي دين، لغير المسلم؛ وربنا يهديهم وهو اعلم بظروف عباده، وهو يلتمس الأعذار لأخيه او أخته في الدين.
العلمانية هنا تتمثل في احترام عقائد الناس وممارستهم لها أو عدمها، والتركيز على المشترك في الحياة العامة مع الآخرين وليس إثارة "المختلف عليه".. أي دون تدخل في حياة الناس الشخصية ودون تسفيه لمعتقداتهم، سواء شملت هذه المعتقدات للمسلم انه يؤمن بالمعراج كما يؤمن بالإسراء او ان هناك خلافا بين المفسرين بشأنها، فليس هذا شأن طبيب او مهندس او إعلامي..
ربما يمكنني قبوله لو كان نقاشا في حلقة لرجل دين دارس ومتخصص سواء كان ازهريا او غير أزهري، مع العلم ان رجل الدين المتزن لن يجد من الحكمة او المفيد للناس مناقشة تلك القضايا التاريخية الخلافية بينما لدى جمهوره من المشاهدين عشرات الأسئلة المتعلقة بأحكام الدين في حياتهم اليومية. . وهو حين يهمل تلك الأمور لايخفى شيئا او سرا عن المؤمنين!
بالتالي، لم يسبق للمسلم المصري البسيط ان وبخ ابراهيم عيسى او سأله عما إذا كان يصلي او يصوم او يحجّب زوجته او بناته، لأنه لم يقدم لهم نفسه من قبل كرجل دين واعظ يوبخهم في معتقداتهم او يحاول ان "يصحح" ممارساتهم الدينية بل باعتباره صحفيا كان معارضا واصبح مؤيدا ومطبلا .. وتخصصه بالتالي في السياسة والاقتصاد والشأن العام، بل وحتى التحكيم كناقد فني في مهرجان سينيمائي بأسوان او الجونة، لا بأس.
لكن، حين يقرر "الصحفي" إبراهيم عيسى ان يخرج من مناقشة القضايا الدنيوية، الsecular وهي تعني العلمانية، ليقحم نفسه في الدين، وينصح الناس الا يسمعوا لرجال الدين ولا حاجة لهم بهم (مع ان التخصص أمر حداثي يجب تشجيعه) وبأنهم يخفون عنهم حقيقة دينهم، لكي ينصّب هو نفسه داعية ومصلحا دينيا، مستندا الى وجود رخصة سياسية له من رئيس الدولة ب"إصلاح الخطاب الديني" مع تهميش مؤسسة الأزهر لاستقلالها عن التوجه السياسي.. فهل هذه ممارسة لحرية رأي او علمانية، بترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أم إنتهازية سياسية، حين لاتجرؤ ان تقول كلمة تغضب القيصر فتجد في دين وعباد الله(سبحانه وتعالى) حيطتك المايلة للاستئساد وادعاء الشجاعة في إبداء حرية الرأي لانك ضامن انك محصن من الأمن والقضاء، بحصانة قيصرية في قناة مصرية تحت الوصاية الأمنية!
وحين تمارس نفس الجشع و"التكويش" بالخروج عن القضايا الدنيوية والسياسية لتناقش الدين بكل انتهازية سياسية في قناة خارج مصر تمولها الحكومة الامريكية، وذلك حين قرر صديق مصر والإمارات السابق في واشنطن، دونالد ترمب ان يعادي المسلمين ويرفع شعار "منعهم من دخول امريكا" في حملته الانتخابية للوصول الى الرئاسة، وبعد اشهر من توليه السلطة يتعاقد معك المدير الذي عينه بقناة الحرة لتقدم براتب دولاري مجز، وانت صحفي سياسي، برنامجا عن الدين الإسلامي والقضايا الخلافية فيه باسم "مختلف عليه".. فهل كان هذا ممارسة للعلمانية وحرية الرأي ام تنفيذ لأجندة سياسية غبية تعتقد ان مشكلة الإسلام السياسي الرافض للواقع هو في الكتابات الدينية وليس في الظلم الواقع بمجتمعاته، ولإحساس اتباعه الناشطين بأن النخبة المثقفة العلمانية لم تعد قريبة للمواطن البسيط، وباع كثيرون منهم ضمائرهم لمتاع "دنيوي"secular!
لقد انتقدني كثيرون حين دافعت عن حرية الرأي ورفض المطالبات بحبس ابراهيم عيسى لما قاله، رغم قناعتي بانتهازيته، ولن أغير مبدأ ضرورة الرد على الكلمة بالكلمة وليس بالحبس او الرصاص او خطاب الكراهية، فليس هكذا نبني الأوطان ونقدم نحن القدوة الأحسن ونعرض عن الجاهلين.. ونقدم المعلومةً حتى لو منعوها في الإعلام الموجّه.
أخيرا، فجعتني سرعة تحول ابراهيم من أسد الى نعامة، بسبب رد الفعل الساخط عليه الذي لم يتوقعه رعاته سياسيا واقتصاديا، فإذا به يتراجع عما قال وينفي في برنامجه بقناة القاهرة والناس ما قاله حرفيا ليس فقط في قناة الحرة قبل عامين بل وفي القاهرة والناس قبل ايام في الحلقة السابقة بإعادة صياغة ماقال مشككا في ذاكرة الناس، واصفا اياهم بمرضى يحتاجون طبيبا، دون ان يعيد بث الدقيقة التي قالها وأثارت الضجة ليؤكد، "الحاج ابراهيم" كما يسمي نفسه الآن، ما يزعم انه فُهم خطأ!
والانكى انه يعتذر لقريته فقط لان الناس قالوا لأخوته: اخوكم كافر.. دون ان يسأل نفسه هل لو ناقش السياسة والدنيا دون الدين كصحفي، هل كان الناس البسطاء بقريته سيحكمون على دينه، ام لتشكيكه هو في دينهم ومعتقداتهم فاتهموه بالكفر؟!
أما أكثر ما ندم عليه للأسف كما قال: ان غضبة الناس حرمته وزوجته من الفسحة في مدينة اسوان كرئيس تحكيم مهرجانها السينيمائي!
أرجوكم ..
لاتخلطوا بين العلمانية وحرية الرأي، وبين الانتهازية والاستئساد على الناس اعتقادا بأنك تحتمي بالحكام واجندتهم في القاهرة او واشنطن!
العلمانيون واحرار الرأي براء من هؤلاء!
تعليقات
إرسال تعليق